الأخبار
20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسطشهيد وثلاثة جرحى بغارة إسرائيلية استهدفت مركبة جنوب بيروتاستشهاد مواطن برصاص الاحتلال قرب مخيم نور شمس شرق طولكرمالشيخ يبحث مع وفد أوروبي وقف العدوان على غزة واعتداءات المستوطنيننحو صفقة ممكنة: قراءة في المقترح الأمريكي ومأزق الخياراتالكشف عن تفاصيل جديدة حول اتفاق غزة المرتقبمسؤولون إسرائيليون: نتنياهو يرغب بشدة في التوصل لصفقة تبادل "بأي ثمن"أخطاء شائعة خلال فصل الصيف تسبب التسمم الغذائيألبانيز: إسرائيل مسؤولة عن إحدى أقسى جرائم الإبادة بالتاريخ الحديثالقدس: الاحتلال يمهل 22 عائلة بإخلاء منازلها للسيطرة على أراضيهم في صور باهرقائد لا قياديعدالة تحت الطوارئ.. غرف توقيف جماعي بلا شهود ولا محامينارتفاع حصيلة شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية إلى 57.130
2025/7/4
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بين فرحٍ غامرٍ وحزنٍ قاتل: حين تختلط الذكرى بالدمعة

تاريخ النشر : 2025-06-27
بين فرحٍ غامرٍ وحزنٍ قاتل: حين تختلط الذكرى بالدمعة
بقلم :ياسر أبوبكر
في مثل هذا اليوم، السابع والعشرين من حزيران، ينبض قلبي بذكرى زواجي، ذكرى لا تُنسى، محفورة في أعماقي كما تُنقش القصائد على جدران القلب. هو اليوم الذي اكتمل فيه نصفي، وابتسم لي العمر بوجهٍ آخر. كنت عريسًا ينتظر أن يحتفل بالحب، أن يبدأ فصلاً جديدًا من الحياة، وها هي الذكرى تعود كل عام، لا لتجدد الفرح فحسب، بل لتوقظ أيضًا جرحًا دفينًا لا يندمل.

في ذات اليوم، وفي لحظة كان يجب أن تتعالى فيها الزغاريد، خفتت الأصوات، وغاصت الوجوه في صمتٍ ثقيل. كان الجميع حاضرين، إلا رجلًا واحدًا، كان حضوره وحده يكفي ليكتمل المشهد – أستاذي، وصديقي : الدكتور رامي.

وما كان غيابه عن عرسي عابرًا، بل حفرة في القلب، لأن الغائب لم يكن رجلًا عاديًا. كان أستاذي الذي لا يُشبه أحدًا، ذاك الذي مرّ بين مقاعد الجامعة لا كمجرد أكاديمي، بل كأبٍ للمعرفة، وضميرٍ للجامعة، وعقلٍ يمشي على الأرض بوقار العلماء. رجلٌ عُرف بالصمت أكثر من الضجيج، وبالفعل أكثر من القول، تسلّل إلى قلوبنا دون أن يطرق الأبواب، وعلّمنا أن الهيبة لا تأتي من المناصب بل من النقاء.

هو من قاد صروح العلم ببصيرة لا تعرف الكبر، ومن جلس على كرسيّ الوزارة ذات يوم، لكنّه لم يخلع عنه ملامح التواضع ولا ارتدى عباءة الاستعلاء. ذاك هو الدكتور رامي، الذي اختبرته الحياة في أعز ما يملك، فخطف القدر من بين يديه فلذات كبده الثلاثة في حادثٍ لم يُبقِ له إلا الدعاء والدمعة. ولم يكن ما رحل مجرد أسماء، بل أرواحًا صغيرة كانت تحبو في بيته كالفجر، فغابت دفعة واحدة... وتركته يتوكأ على وجعه كمن يتوكأ على ظلٍّ لا يسند.

كنت أفتقده بين الجموع، أنظر في الوجوه بحثًا عنه. سألت من حولي فلم يجبني أحد ، سألت مرارًا وتكرارا فقالوا: "هو قادم، لا تقلق." ولم أكن أعلم أن القادم ليس هو، بل خبرٌ يفطر القلب.

ثم علمت... يا وجع اللحظة، ويا انكسار الفرح في قلبٍ لا يطيق أن يرى أستاذه يغرق في المصيبة. كنت غاضبًا حين أخفوا عني الخبر، وعاتبتهم. قالوا: "كنا نعرف، لو أخبرناك لذهبت إليه ونسيت نفسك، ونسيت عروسك، ولهذا أخفينا عنك المصاب."

وكانوا صادقين. أعرفني جيدًا، كنت سأرمي الفرح جانبًا، وأهرع إلى حزن صديقي، لأن الوفاء لا ينتظر التوقيت المناسب وهو ما فعلته يومها تركت عروسي وحيدة بين قضبان قفص الزوجية ساعات طوال.

غادرت، كما غادرت البهجة قلبي، هرعت إليه، لا بشيء أحمله سوى صدق المواساة، ووجعٍ يُشبه وجعه. حضنتُه بحرقةٍ لا يعبّر عنها الكلام، كنت أود أن أقتسم عنه حزنه، أن أقول له: "خذ فرحي كله، فقط لا تنكسر." ما خاب ظني كان شامخا كالجبل برغم هول المصيبة والوجع والفاجعة.

لكن ما لم يكن يعرفه كثيرون، أن تلك الذكرى لم تكن لي مجرد بوابة فرح عابر، بل كانت منارةً ظلّت تومض في قلبي وأنا في ظلام الأسر. فبعد أقل من عامين فقط من زواجي، امتدت يد الاحتلال لتختطفني، وأُغلقت خلفي أبواب السجن، وبقيت هناك ثلاثة وعشرين عامًا تتقلب في وجعي، يتناسل فيها الفقد من كل الجهات. ورغم القيد، ورغم الجدران الرمادية التي لا تُنبت سوى الصمت، كانت هذه الذكرى تأتي كل عام كعاصفة من المشاعر المتناقضة. كنت أعدّ الأيام على أصابعي، حتى أصل إلى السابع والعشرين من حزيران، فأغمض عينيّ في زنزانتي، وأتخيل أنني في ذات القاعة، بين أحبتي، وعروسي إلى جواري. لكنّ الصورة لا تكتمل، لأن ظلّ الفقد يمرّ في الخلفية، يحمل أسماء أولئك الأطفال الثلاثة، ويعيد إلى المشهد وجعًا لا يخفت.

هكذا كانت الذكرى: فرح يختلط بغصة، وبسمةٌ تشوبها دمعة، وذكرى زفاف تسبح في صمت السجون، تتجاور فيها ابتسامة الحياة مع حزن الموت، وتتقاطع فيها مشيئة الأقدار مع هشاشة القلب البشري.

منذ ذلك اليوم، صارت الذكرى مزدوجة. كل عام أُضيء شمعة لزواجي، وأُطفئ في قلبي شعلة فَقْدٍ لا تخصّني، لكنها تسكنني. أحتفل بصوتٍ خافت، لأن في الخلفية صدى بكاءٍ لم يتوقف، وحزنًا لا يجف.

ما أقسى أن تجتمع الذكرى والمأساة في ذات اللحظة، أن تُزهر في يدك وردة وتُسقط الأخرى على قبر. لكنّ الحياة لا تنتظر اكتمال مشاعرنا. تعلمنا أن نحيا والدمعة تبلل أطراف البسمة، وأن نحمل في القلب كفتين: واحدة للحياة، وأخرى للفقد.

للدكتور رامي، أقول اليوم: لم أنسَ، ولن أنسى. ستبقى تلك اللحظة شاهدًا على عمق إنسانيتك، وعلى وجعك الذي تقاسمناه دون حاجة لكلمات. ولنفسي أقول: الحب لا ينفصل عن الحزن، وكلاهما وجهان للحياة... وللذكرى.

رحم الله أبناءك يا أستاذي الفاضل ، وجعلهم نورًا في صدرك قبل يومك ، وحفظ لك مرح . وجعل الله من زواجي ذكرى لا تطغى على ذكرى وفائك، بل تتشابك معها في نسيج الحياة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف
OSZAR »